كان يمكن لهذه المرايا
أن تكون مطراً صافياً
أو صمتاً صافياً
أو دمعاً صافياً على الأقل.
بيد أن الظروف
كانت من حجر
وكان صليل الزمان والمكان
مضرَّجاً بما يشبه الدم
وبما يشبه الجنون
وبما يشبه الآلهة
وبما لا يشبه شيئاً على الإطلاق.
١
شكراً
لما لا بدَّ لهُ
أن يمضي.
وشكراً
لما لا بدَّ لهُ
أن يأتي.
وشكراً
لما لا يعطي نفسَهُ
لغير الصمت
ولا يؤوب.
لا يؤوب أبداً.
٤
قلبه جرس
وجسده كنيسة
وعيناه مغمضتان
على امرأةٍ
ترتدي حزنها
وتقيم لعودتهِ
قدَّاساً من الدموع.-5-يا لهُ!!
ما أسهلَ ما تجرحُهُ
عينان.
ما أسهلَ ما تُبكيهِ
أغنية.
ما أسهل ما تواسيه
كلمة
لا معنى لها.
٧
تهامسوا:
مَنْ غيرُ المجنون
يسنُّ الوردة
ويحنو على السكين؟!
يا لقناديل حزنك يا خديجة
لو تعرفين إذن
كم من الورود
وكم من السكاكين
مزَّقتُها
ومزَّقتني.
٩
لا حرية
خارج هذا المكان
بيد أنها حرية تبكي
كلما سمعتْ الأقفال
تقهقه فيها
المفاتيح.
١٠
جميع الشروخ والأخاديد
التي ترونها على الجدران
حفرتْها عيوني
وهي تحدِّق فيها
منذ سنوات
لا جدوى من حسابها.
١١
زمنٌ
بلا مواعيد.
ومكانٌ
بلا جهات.
أيتها المرأة
الجارحة كبرق
الراعفة كأغنية
إذهبي
فما من شيء
حاضر هنا
غير الغياب.
١٢
هكذا..
السجن زمن
تؤرِّخه في الأيام الأولى
على الجدران
وفي الشهور اللاحقة
على الذاكرة
ولكن عندما تصبح السنوات
قطاراً طويلاً
متعباً من الصفير
ويائساً من المحطات
فإنكَ تحاول شيئاً آخر
يشبه النسيان.
١٦
لا شمس هنا
ولهذا أجدني عارياً
من الظلال.
ولا امرأة أيضاً
ولهذا أجدني عارياً
من نفسي.
١٨
يا دينكم!!
كيف أراني
وأنا دائماً معي؟
وإذا ابتعدتُ عني
فكيف أعرفني؟
لا تقولوا لي:
المرآة.
فليس للمرايا
حتى هذه التي أكتبها
إلا أن تعدِّدني
أو تجعلني واحداً
وأنا لست كذلك
بل إني..
لستُ على حال أبداً
أبداً
لست على حال.
٢٣
لمن
هذه الجنازة
يا شيخ؟!
سألتُهُ
وأنا أتناءى.
ـ للمعنى يا ولدي
أجابني
وظل واقفاً
كشاهدة.
٢٩
هنا
وهناك
على الجدار
وعلى قلبي .
على الليل والريح
على الأبواب والمواعيد
والأرصفة.
على الخوف واليأس والعدم.
عينان عميقتان
إلى حدِّ السواد.
سوداوان
إلى حدِّ الفجيعة.
فاجعتان
إلى حدِّ الصمت.
صامتتان
إلى حدِّ العواء.
ليس قبلهما
وليس بعدهما
غير بيارق منكَّسة
وأنا
والله
في زنزانتين متجاورتين.
٣٠
إحدى عشرة صحراء محصودة
ليس فيها
لو ظل واحد لامرأة.
أربعة آلاف ليل ضرير
ليس فيها
لو رمشة واحدة للصباح.
مئة ألف ساعة نازفة
ليس فيها غير الشوك والرمل
والعقارب.
ستة ملايين شهقة
على حدِّ السكين
ولا تزال المباراة
دامية ومجنونة
بين ذؤبان الموت
وغزلان الحرية.
٣١
أجل يا إلهي أجل
هذه هي سوريا
فكيف نرفع إليك العزاء
وبأي غيوم ستبكي
بأي غيوم؟!
٣٤
عمري الآن
ست وأربعون رقصة
على حافة الهاوية.
وقصائدي
لا تعبِّر عني
أكثر مما يعبِّر السهم
عن الطريدة
وهو يتجه إليها.
٣٥
لا
ليس الله
بل امرأة
بلون الحنطة أو الخرنوب
إمرأة
بين القهوة والحليب.
أعني بين الصمت والكلام.
في الصباح
علَّمَتْني الوردة
وقبل أن يتَّسق الليل
علَّمتني العاصفة.
٣٧
الحرية وطن
وبلادي منفى
وأنا نقيضي
تلك هي إفادتي
مكتوبةً
بحليب أمي
وممهورةً
بكل ما لدي
من قيود.
٣٨
أتخفّى
داخل القصيدة
وابحث عني خارجها
غير أننا
نتواطأ أحياناً.
تدعوني إلى فراشها
فأستجيب.
تخلع ثيابها
وأخلع ثيابي
فترتديني
وأظل عارياً.
سجن صيدنايا 1997-2000